حوادث المرحلة المتوسطة بين الماضى والحاضر. وجهة نظر معلم
الرئيسية الآثار السلبية للهواتف الذكية على الأطفال
حوادث المرحلة المتوسطة بين الماضى والحاضر. وجهة نظر معلم

دعونا نتخيل طالبًا في الصف السابع؛ إنه طفل هادئ، مهذب، لديه بعض الأصدقاء... مجرد طفل عادي في الثانية عشرة من عمره؛ سنسميه براين. 

براين في منتصف الصف السابع، ولأول مرة بدأ يتساءل عن مكانته في التسلسل الاجتماعي في المدرسة، إنه يفكر قليلًا في ملابسه، وأيضًا في حذائه؛ إنه مدرك لكيفية تصور الآخرين له، لكنه ليس مدركًا لذلك بشكل كبير.

يعود إلى المنزل كل يوم، ومن الساعة 3 مساءً حتى 7 صباحًا يأخذ استراحة من الضغوط الاجتماعية في المرحلة المتوسطة؛ في معظم الأمسيات، لا يهمه شيء في العالم؛ السنة هي 2008.

يمتلك براين هاتفًا محمولًا لكنه مغلق معظم الوقت، فإنه لا يقدم الكثير على كل حال؛ إذا أراد الأصدقاء التواصل، يتصلون بالمنزل؛ الوقت الوحيد الذي يجتمع فيه مجموعات كبيرة من طلاب الصف السابع هو في حفلات المدرسة، إذا شعر برايان بعدم الارتياح لذلك، يمكنه تخطي الحفلة.

يمكنه التحدث إلى المعلمين حول المشاكل اليومية، لدى المعلمين سيطرة جيدة على ما يحدث في المدرسة.

الآن، دعنا نتخيل براين في يوم عادي؛ ينزل إلى الطابق السفلي ويتناول الإفطار مع عائلته، والدته ذهبت للعمل بالفعل، لكن والده وأخواته موجودون، يتحدثون مع بعضهم أثناء تناول الفطور، يتوجه الأطفال إلى المدرسة بعد فترة قصيرة، يقضي براين صباحًا جيدًا في صفه في الصف السابع ويذهب إلى غرفة الغداء في تمام الساعة 12 ظهرًا.

هناك بركة من الماء على الأرضية المبلطة بالقرب من النافورة في الجزء الخلفي من الكافتيريا، يعرف عدد قليل من طلاب الصف الثامن عنها، وهم يضحكون بينما ينزلق طالب آخر ويسقط على الأرض.

يشتري براين شطيرة جبن مشوي، تأتي مع حساء الطماطم الذي لا يأكله أحد، ينهي الشطيرة ويتوجه إلى أقرب سلة مهملات للتخلص من الحساء، عندما يلمس حذاؤه بركة الماء، ينزلق تمامًا مثل الآخرين؛ يرتفع حساء الطماطم في الهواء ويسقط على حجره.

بالقرب منه، على طاولة طلاب الصف الثامن، يضحك صبي يُدعى مارك، يضحك على براين وأيضًا يضحك الأولاد من حوله على براين؛ يضحكون لأنهم أكبر سنًا، ويعرفون شيئًا لا يعرفه الأطفال الأصغر، يضحكون على طريقة السقوط المضحكة، يعتبرون الحساء المسكوب على حجره نكتة إضافية، السقوط هو سوء حظ لبراين؛ هذا كل شيء… إنه ليس ميزة لمارك!

يسمع عدد قليل من الأطفال الضحك وينظرون، لكن برايان يقوم بسرعة ويهرع إلى الحمام لتغيير ملابسه إلى شورت الرياضة.

مارك يحاول إعادة سرد القصة لصديق له لاحقًا، الصديق لا يفهمها حقًا لأنه لم يكن هناك، لا يستطيع تخيلها!

في الواقع، يبدو أن مارك دنيء لأنه يضحك أصلًا.

بعد الغداء، يعود براين إلى الصف في الشورت الرياضي، لا يبدو أن أحدًا لاحظ التغيير، يتنفس الصعداء، يمكنه وضع سقوط الكافتيريا وراء ظهره.

يلتقي بأخواته في نهاية اليوم ويسألون لماذا يرتدي شورت رياضي، يخبرهم أنه سكب بعض صلصة الطماطم على بنطاله؛ يتوجهون إلى المنزل ويقضون فترة بعد الظهر والمساء معًا، آمنين وبصحة جيدة، حياة المنزل منفصلة تمامًا عن حياة المدرسة، لا يفكر براين في الحادثة مرة أخرى، فقط عدد قليل من الأشخاص شاهدوها؛ لقد انتهى الأمر.

الآن، دعونا نتخيل براين مرة أخرى؛ نفس الطفل، نفس العائلة، نفس المدرسة…

لا يزال في الصف السابع، لكن هذه المرة في عام 2018.

عندما يجلس براين لتناول الإفطار، يكون والده يجيب على بريد إلكتروني على الطاولة، أخته الكبرى ترسل رسائل نصية، وأخته الصغرى تلعب لعبة فيديو.

لدى براين هاتف آيفون أيضًا؛ يخرجه ويفتح تطبيق إنستغرام.

كان براين في عام 2008 يتساءل عن موقعه في التسلسل الاجتماعي، لكن براين في عام 2018 يعرف؛ يمكنه رؤيته هناك على الشاشة، لديه عدد أقل من « المتابعين » مقارنة بالأطفال الآخرين في صفه.

هذه مشكلة؛ يريد أن يسأل والده ماذا يفعل، لكن هناك ذلك البريد الإلكتروني الذي يجب كتابته؛ بدلاً من ذلك، يفكر براين في الأمر طوال الصباح في المدرسة.

بينما يتحدث، يخرج هاتفه ويتحقق من عدد « المتابعين » الذين يمتلكهم الأطفال الآخرون في الصف، الإجابة لا تعزز ثقته بنفسه!

في تمام الساعة 12 ظهرًا يتوجه إلى الكافيتيريا؛ يشتري شطيرة جبن مشوي، تأتي مع حساء الطماطم الذي لا يأكله أحد أبدًا.

في الجزء الخلفي من قاعة الطعام، يجلس مارك مع طلاب الصف الثامن الآخرين، يحمل هاتف آيفون جديد لامع في يد واحدة؛ يمتلك مارك آيفون منذ خمس سنوات، لديه جميع التطبيقات: تويتر، إنستغرام، وسناب شات… لديه أيضًا الكثير من المتابعين؛ لا يعرف جميعهم، لكن لا بأس بذلك.

قبل بضع سنوات، نشر مارك أول صورة له على إنستغرام؛ كانت صورة لسيارته التي تعمل بجهاز التحكم عن بعد، كان مارك يستمتع حقًا بسيارات التحكم عن بعد، تحقق مارك من إنستغرام بعد ساعة من نشر تلك الصورة الأولى، ظهرت نقطة حمراء زاهية في أسفل الصفحة، نقر عليها؛ شخص ما قد « أُعجِب » بصورة السيارة!

شعر مارك بالتقدير، كان من الجيد أنه نشر الصورة؛ تم إفراز القليل من الدوبامين في دماغ مارك؛  تحقق من الصورة بعد ساعة، وبالفعل  « إعجاب » آخر؛ مزيد من الدوبامين! شعر بتحسن أكبر.

لفترة من الزمن، كانت صور السيارة التي تعمل بجهاز التحكم عن بُعد كافية، لقد ولَّدت ما يكفي من « الإعجابات » لإبقاء مارك سعيدًا؛ لم يعد يحصل على الكثير من المتعة من قيادة السيارة عن بُعد، لكنه كان يستمتع كثيرًا برؤية تلك « الإعجابات » تتزايد.

ثم بدأ شيء ما يحدث؛ توقفت « الإعجابات » عن القدوم، لم يبدو أن الناس مهتمون بصور السيارة بعد الآن، جعل هذا مارك غير سعيد؛ افتقد « الإعجابات » والدوبامين الذي كان يأتي معها… كان بحاجة إليها مرة أخرى، كان بحاجة إلى صور أكثر إثارة؛ لأن الصور المثيرة ستجلب المزيد من المشاهدات والمزيد من « الإعجابات ». 

لذا، قرر أن يقود سيارته إلى وسط الطريق، جعل شقيقه الأصغر يصور كل شيء؛ صور السيارة التي تعمل بالتحكم عن بُعد وهي تُسحَق بواسطة شاحنة تمر!

لم يكلف مارك نفسه عناء جمعها، فقط أمسك بهاتفه ونشر الفيديو، لم يمضِ سوى بضع دقائق قبل أن تبدأ « الإعجابات »؛ شعر بتحسن.

الآن في الصف الثامن، أصبح مارك مدمنًا على وسائل التواصل الاجتماعي؛ بالتأكيد يحتاج إلى المزيد من « الإعجابات » ليشعر بنفس الإحساس، لكن لا بأس بذلك؛ هذا يعني فقط أنه يحتاج إلى المزيد من المحتوى، محتوى جيد، محتوى لا يمتلكه أحد غيره؛ هذا هو النوع الذي يحصل على الكثير من « الإعجابات » بسرعة كبيرة حقًا، لقد تعلم مارك أن أفضل محتوى يأتي من تصوير ونشر التجارب المحرجة لزملائه في الصف.

عندما يلاحظ تلك البقعة المائية في مؤخرة الكافيتيريا، يكون مستعدًا!

في كل مرة يمر فيها شخص ما ويسقط، تصبح زلَّته مصدرًا ثميناً لمارك؛ جزء من مارك يريدهم أن يسقطوا، يأمل أن يسقطوا.

يمشي براين عبر الكافيتيريا وهو يحمل حساءه، مشغولًا بشؤونه الخاصة… فجأة؛ تنزلق قدماه من تحته، يرتفع حساء الطماطم في الهواء ويسقط على حجره!

إنه مُحرَج جدًا، لدرجة أنه عندما يقف ويهرع إلى الحمام، لا يلاحظ مارك وهو يصور.

تتسابق أصابع مارك فوق شاشة آيفون الخاصة به قبل أن يختفي برايان عن الأنظار، كان ذلك فيديو رائعًا التقطه للتو ويريد نشره على الإنترنت بسرعة؛ يعلم أنه لا يُفترض به استخدام هاتفه المحمول في المدرسة، لكن المعلمين يطبقون هذه القاعدة فقط أثناء الحصص، هم جميعًا يستخدمون تويتر وإنستغرام أيضًا؛ إنهم يفهمون.

لا يعرف مارك من الذي قام بتصويره، ولا يهتم!

ليس ذنبه أن الطفل سقط على الأرض، إنه مجرد ناقل للرسالة، الفيديو هو نوع من إعلان الخدمة العامة، إنه فقط يحذر الجميع من بقعة الماء في الكافيتيريا؛ هذا ما يقوله مارك لنفسه.

يبدأ بتحميل الفيديو على سناب شات أولًا؛ لا وقت لكتابة وصف تحته، إنه يتحدث عن نفسه…

 يرفعه على إنستغرام بعد ثوانٍ، بحلول ذلك الوقت بدأت « الإعجابات » تصل بالفعل؛ يتدفق الدوبامين إلى دماغ مارك، هناك تعليق على إنستغرام بالفعل يقول « يا له من خاسر! »، يمنح مارك التعليق « إعجاب »؛ من الأفضل أن يبقي الجمهور سعيدًا!

لقد كان هذا غداءً ذا قيمة، سيدق الجرس خلال بضع دقائق، يجلس مارك مسترخيًا ويقوم بتحديث شاشته مرة تلو الأخرى حتى يحدث ذلك.

في هذه الأثناء، يعود براين من الحمام بعد أن غيّر ملابسه إلى شورت الرياضة، لا يزال يشعر بالخجل من السقطة؛ حدثت بالقرب من الجزء الخلفي من الكافتيريا، لكنه لا يعتقد أن العديد من الناس رأوا ذلك… يأمل أن لا يكونوا قد رأوا. 

ولكن عندما يدخل الفصل ينظر إليه الكثير من الناس؛ ترفع فتاة هاتفها بزاوية غريبة! هل هي... تلتقط صورة؟ ينزل الهاتف بسرعة وتبدأ في الكتابة، لذا لا يمكنه التأكد.

تبدأ الحصة؛ يشعر براين بالارتباك لأن الناس يستمرون في سحب هواتفهم والنظر إليه، يطلب الذهاب إلى الحمام. 

داخل إحدى الكبائن، يفتح إنستغرام… ها هو على الشاشة مغطًى بحساء الطماطم! كيف هذا؟ من الذي صور هذا؟ 

أسفل الفيديو؛ ظهرت صورة جديدة للتو! إنه في شورت الرياضة الخاصة به! التسمية تقول: « تغيير الملابس! »

براين يتصفح بشكل هستيري عبر المحتوى محاولًا العثور على مصدر الفيديو؛ لا يستطيع… لقد تم مشاركته وإعادة مشاركته مرات عديدة، يلاحظ أن عدد متابعيه قد انخفض!

لا يريد الذهاب إلى الصف، كل ما يريده هو أن يتوقف ذلك.

يلتقي بأخواته في الخارج في نهاية اليوم، يلتقط عدة طلاب صورًا له وهو يمر؛ لا تتحدث أي من أخواته معه، يعرف براين السبب.

كان المنزل مكانًا آمنًا لبراين في عام 2008؛ مهما حدث في المدرسة، يبقى في المدرسة؛ ليس الآن!

يصل براين إلى منزله وقلبه يخفق بشدة، ويتوجه مباشرة إلى غرفته؛ من المفترض أن يقوم بواجبه المنزلي، لكنه لا يستطيع التركيز…

وحده في الظلام، يقوم بتحديث آيفون الخاص به مرة بعد مرة بعد مرة بعد مرة.

تتناول عائلة براين طبقه المفضل على العشاء، لكنه لا يهتم؛ يريد أن ينتهي الأمر حتى يتمكن من العودة إلى هاتفه.

مرتين يذهب إلى الحمام للتحقق من إنستغرام، لا يمانع والديه؛ فهما يتحققان من هواتفهما الخاصة.

يكتشف براين أن نسختين جديدتين من الفيديو قد تم إصدارهما؛ واحدة مصحوبة بموسيقى والأخرى تحتوي على تعليق سيء؛ كلاهما عليه الكثير من التعليقات!

لا يعرف كيف يرد، لذا يشاهد فقط عدد المشاهدات يرتفع أكثر فأكثر؛ بينما عدد متابعيه، وعدد أصدقائه يذهبان في الاتجاه المعاكس…

لا يريد براين أن يكون جزءًا من هذا، لا يحب هذا النوع من الأشياء؛ لكنه لا يستطيع تخطيه كما يتخطى حفلة المدرسة؛ ولا يمكنه إخبار معلم، لأن هذا لا يحدث في المدرسة.

يبقى مستيقظًا طوال الليل يقوم بتحديث الصفحة، يأمل أن يبدأ عدد المشاهدات المتزايد في التباطؤ؛ مارك يفعل الشيء نفسه في الجانب الآخر من المدينة، لديه الكثير من المتابعين الجدد؛ هذا هو أفضل فيديو له على الإطلاق!

في الساعة 3 صباحًا، يطفئان ضوء الغرفة وينظران إلى سقف حجرتهما.

مارك يبتسم؛ يأمل أن يحدث غدًا شيء أكثر إحراجًا لطفل آخر، ثم يمكنه تصوير ذلك والحصول على المزيد من « الإعجابات ». 

عبر المدينة؛ لا يبتسم براين، لكنه للأسف يأمل في نفس الشيء بالضبط.

  • الكاتب : Melanie Hempe
  • الناشر : آية جمال
  • ترجمة : محمد النقلي
  • مراجعة : محمد حسام المزيك
  • تاريخ النشر : قبل 10 أشهر
  • عدد المشاهدات : 561
  • عدد المهتمين : 103
المصادر
قالو عنا
مقالات ذات صلة
الصوم الالكتروني في رمضان

لم يعد يفصلنا عن رمضان إلا أيامًا معدودة، ويمكننا استغلال هذا الشهر الكريم في التخلص من ال...

معسكر الديتوكس الرقمي

أقام فريق "بلس فورتين" معسكر الديتوكس الرقمي في الفترة من 1 يناير إلى 30 يناير 2025، بهدف ...

تأثير الذكاء الاصطناعي على الأطفال

مع التطور السريع الذي يشهده العالم في الآونة الأخيرة، انتشر مفهوم الذكاء الاصطناعي؛ والمقص...

الصمت حقًا من ذهب

بعد سنوات من العمل في مدرسة ثانوية كمعلم ومستشار، لاحظت بعض التغيرات في ثقافتنا التي جعلتن...