الصمت حقًا من ذهب
محتوى المقال
  • ما الذي يجعلك تتجنب الصمت؟
  • ما المخاوف التي تظهر عندما تصبح هادئًا؟
  • ماذا يمكنك أن تفعل؟

قبل سنوات، قبل أن يُمسك كل إنسان بهاتف آيفون، طرحت سؤالًا على أكثر من 300 طالب في المدرسة الثانوية.

بعد سنوات من العمل في مدرسة ثانوية كمعلم ومستشار، لاحظت بعض التغيرات في ثقافتنا التي جعلتني أتوقف، اعتقدت أنه سيكون من المفيد أن أسمع مباشرة منهم.

قلت لهم.

« أخرجوا قطعة من الورق وقلمًا » 

« كم دقيقة من الصمت الكلي تحصلون عليها في اليوم؟ وللتوضيح، هذا لا يشمل وقت النوم »

رأيت بعض الابتسامات وسمعت بعض الضحكات؛ كان الكثيرون يحاولون حساب رقم واقعي!

كانت آيتونز قد أُصدرت منذ فترة، وصدور الآيبود كان في عام 2001؛ بحلول هذه النقطة، كان معظم الأطفال يمتلكون واحدًا… كانت مشغلات الأقراص المضغوطة في سياراتهم، وسماعات الرأس معلقة حول أعناقهم، أو موصولة بأجهزة الكمبيوتر المحمولة طوال اليوم.

كانت الإجابة على سؤالي واضحة إلى حد ما، لكنني أردت منهم أن يفكروا في الأمر!

توجه الأطفال خارج صالة الألعاب الرياضية وسلموا أوراقهم للمعلمين الذين كانوا ينتظرون عند الأبواب، تم جمع جميع الأوراق وتسليمها لي؛ تطلب الأمر بعض ضبط النفس من جانبي للانتظار حتى أعود إلى مكتبي لأقوم باستعراضها؛ جلست على مكتبي أستعرض ردودهم واحدة تلو الأخرى.

كان متوسط ​​مدة الصمت التي عاشوها في اليوم 10 دقائق أو أقل؛ كان معظمهم يستمعون إلى الموسيقى أثناء الاستحمام أو الاستعداد للمدرسة في الصباح، وكان معظمهم ينامون على أنغام الموسيقى أو التلفاز، كما أن معظمهم كان لديهم موسيقى تتدفق، دون توقف أو فواصل إعلانات: طوال الطريق إلى المدرسة، وفيما بين الحصص، أثناء المشي إلى الملعب للتدريب، أو الانتظار لوسيلة النقل بعد المدرسة... كانت الضوضاء تتسلل إلى عقولهم.

كان لدي بعض الأسئلة الأخرى التي سألتهم إياها:

« ما الذي يجعلك تتجنب الصمت؟ »

« ما المخاوف التي تظهر عندما تصبح هادئًا؟ »

على الرغم من أن إجابات هذه الأسئلة كانت حزينة، إلا أنها لم تكن مفاجئة؛ تحدث العديد منهم عن الخوف والقلق؛ كانوا قلقين بشأن زواج والديهم، أو أرادوا تجاهل المشاجرات. 

ذكر معظمهم أنهم يشعرون بالخوف من المستقبل، أو عدم الالتحاق بالجامعة، أو عدم الحصول على الدرجات الكافية لتأمين « مستقبل جيد ». 

كان لدى البعض ذكريات يرغبون في حجبها، بينما اعتاد الآخرون على الضوضاء.

المشكلة هي أن الضوضاء تدفع كل شيء إلى الأسفل! الموسيقى، ومقاطع الفيديو على يوتيوب، والبودكاست، والأفلام، والبرامج التلفزيونية تُبقِي الأفكار المخيفة والمجهدة بعيدة عن متناول اليد، على الرغم من أنها تبقى باستمرار على الهامش، فإن المدخلات المستمرة هي آلية للتعامل سهلة، لكنها ضارة.

الأشخاص الذين يفتقرون إلى الصمت يفوتون تطوير بعض المهارات الحياتية الضرورية:

الحاجة إلى إعادة الضبط: تتشبع عقولنا لدرجة أنها تحتاج إلى الهدوء؛ الضوضاء والمعلومات المستمرة تتركنا مثقلين ومكتفين، مما يترك وقتًا قليلًا للتفكير والتأمل والتخيل. 

تحتاج عقولنا إلى مساحات فارغة؛ عندما لا تحصل على ذلك تبقى مشحونة!

ومع ذلك، عندما نجلس في هدوء تبدأ عقولنا في الاسترخاء… في البداية، قد يكون من الصعب إبطاء الأفكار، وقد يكون مخيفًا عندما تبدأ المخاوف التي تم تجاهلها في الظهور؛ يجب علينا الاستمرار! 

ستلاحظ ـ وكذلك أطفالك ـ أنه بمجرد أن يصبح الصمت أكثر شيوعًا، فإنه يُهدّئنا.

المساحة الهادئة توفر فعليًا الهوامش للعمل من خلال المشاعر غير المريحة، مما يسمح لها بالخروج؛ الثقة في هذه  العملية أمر أساسي.

تدريب التأمل الذاتي: سمع طلابي مني أقولها خمسين مرة، « إذا لم تولِ اهتمامًا لعيوب شخصيتك، فسوف يكون بإمكان الجميع من حولك تسميتها باستثناءك ».

بعبارة أخرى فإن العيوب مثل: المرارة، وعدم الصبر، وانعدام الأمن، واستخدام الفكاهة للتخلص من الموقف، أو البقاء عالقًا في السلبية، تكون واضحة للجميع باستثناء الشخص الذي لا يتعامل مع عيوبه.

الضجيج المتواصل يمكن أن يكون شكلًا من أشكال الحماية الذاتية؛ إدخال سماعات الأذن في آذاننا وإلغاء الضوضاء يمكن أن يكون وسيلة لتجنب ما نحتاج بشدة إلى معالجته.

وبالمثل؛ يجب معالجة الصعوبات، مثل: الحزن، وفقدان الوظيفة، ومشاعر العار، والفشل، أو فخ المقارنة… وإلا فإنها ستأخذ جذورًا عميقة. 

يعتقد الناس أن التأمل الذاتي مخصص للرهبان؛ وقد يبدو عتيقًا من ناحية ما، ومع ذلك فإن أكثر الأشخاص صحة الذين أعرفهم يدركون أنهم بحاجة إلى مزيد من التوازن، والمخاوف التي تمتلك قوة كبيرة، والخسائر التي يحتاجون إلى الحزن عليها بمشاعر حقيقية. 

هذا يختلف تمامًا عن الانغماس الذاتي الذي نراه اليوم، التواجد المستمر على الإنترنت هو انغماس ذاتي، بينما أخذ الوقت بعيدًا عن الإنترنت، في هدوء دون وجود أي شخص للرد سيؤدي إلى الوعي الذاتي، والنمو، والتواضع.

عادة الاستماع: مستوى التشتت الناتج عن الكثير من الترفيه يعيق مهارات الاستماع؛ انتباهنا أقصر، وقدرتنا على الانخراط مع من حولنا منقوصة، وتعاطفنا قد أصبح باهتًا.

كلما جلسنا في سكون وفكرنا، واعتبرنا، وشعرنا، وركزنا؛ زادت قدرتنا على التواصل مع الآخرين من حولنا، وكذلك مع أنفسنا.

العالم اليوم شديد الحاجة جدا للعثور على مستمعين جيدين.

تطوير الخيال: المخيلة القوية لا يتم تقديرها جيدًا؛ ومع ذلك تؤكد المزيد والمزيد من الأبحاث على مدى ضرورة الخيال في حل المشكلات، والإبداع، والتكيف، والتعاطف. 

تتيح الفراغات الزمنية خلال اليوم للخيال أن يزدهر؛ ليس من المفاجئ أن المدخلات المستمرة والانغماس في الترفيه تعيق تطوير الخيال، فالصمت والهدوء والمساحة المفتوحة تعزز خيالًا صحيًا، حيث توفر الفرصة لتنمية الأفكار والحلول الإبداعية.

حياة خالية من الإدمان: تؤكد العديد من الأبحاث على الطبيعة الإدمانية لألعاب الفيديو، ووسائل التواصل الاجتماعي، وغيرها من وسائل الترفيه على الشاشات.

يرتفع مستوى مادة الدوبامين الكيميائية الموجودة في مركز المتعة في الدماغ أثناء استخدام وسائل الترفيه على الشاشات، ومثل أي إدمان آخر، كلما استخدمناه أكثر، أصبح من الأصعب الانفصال عنه. 

وبالمثل، يتطلب الأمر المزيد من الوقت للحفاظ على الشعور بالاندفاع؛ عندما يحصل دماغنا على الصمت والهدوء، فإنه يمنع الإدمان الشائع جدًا على الشاشات.

تعتبر فترة المراهقة وقتًا حساسًا حيث يكون الدماغ في مرحلة التكوين؛ أظهرت الدراسات أن 90% من حالات الإدمان تبدأ خلال سنوات المراهقة، كلما كان لدى الدماغ المزيد من الوقت للتطور دون التدفق المستمر للمدخلات، زادت حمايته من الإدمان.


ماذا يمكنك أن تفعل؟

- أنشِئ مناطق خالية من التكنولوجيا في منزلك: لا تتنازل عن هذا، خذ الوقت لتشرح لأطفالك لماذا تعطي الأولوية للمساحات في منزلك حيث لا يُستخدم الشاشات.

- اجعل أوقات السيارة خالية من التكنولوجيا: ساعد أطفالك على تعلم العيش في التجارب العادية التي تشكل معظم الحياة؛ سيتعلمون الانتباه إلى الجماليات البسيطة من حولهم عندما لا تتاح لهم الفرصة للانغماس في شاشة؛ السيارة هي وقت للتواصل والتعلم كيف نكون حاضرين، الاتصال البشري هو الأهم.

- القدوة فى الانضباط في الصمت/ فترات الهدوء: يحتاج الأطفال إلى رؤيتنا ونحن بخير دون هواتفنا، سيشعرون بتوفرنا، وسيتعلقون بنا نتيجة لذلك. 

بالإضافة إلى ذلك، يحتاج الأطفال إلى رؤية وقت الهدوء كجزء طبيعي من الحياة.

- احمِ غرف النوم في منزلك: واحدة من القواعد الأساسية التي يمكنك وضعها هي عدم وجود شاشات في غرفة النوم؛ هذا مكان للاستعداد للنوم، والهدوء، والاستمتاع بالإبداع، أو القراءة. 

ستؤدي الشاشات إلى تقليل الميلاتونين وزيادة نشاط الدماغ؛ مما يجعل من الصعب النوم.

في ثقافة تبدو وكأنها تتبنى نمط حياة الجماهير، من الضروري التوقف والتفكير في القيم التي تريد غرسها في منزلك: ما هو الضروري لنمو إنسان سوي؟ 

عندما تذهب ضد المألوف، قد يكره أطفالك ذلك، قد يصرخون: « أنت الوالد الوحيد الذي يضع هذه القواعد! »، سيتصرفون بغضب وإحباط.

لكن اطمئن، أنت تقوم بالعمل الشاق لتكون والدًا جيدًا، سيتجاوز أطفالك ذلك!

كخطوة طبيعية فى مسار نُموهِم، من الطبيعى تماما لهم محاربتك بشأن الحدود، لكن في النهاية سيرون أنك جاد…

والأهم من ذلك، أنهم سيختبرون السلام الذي يأتي مع حياة أقل ضجيجًا.

  • الكاتب : Melanie Hempe
  • الناشر : آية جمال
  • ترجمة : محمد النقلي
  • مراجعة : محمد حسام المزيك
  • تاريخ النشر : قبل 8 أشهر
  • عدد المشاهدات : 518
  • عدد المهتمين : 83
المصادر
قالو عنا
مقالات ذات صلة
الصوم الالكتروني في رمضان

لم يعد يفصلنا عن رمضان إلا أيامًا معدودة، ويمكننا استغلال هذا الشهر الكريم في التخلص من ال...

معسكر الديتوكس الرقمي

أقام فريق "بلس فورتين" معسكر الديتوكس الرقمي في الفترة من 1 يناير إلى 30 يناير 2025، بهدف ...

تأثير الذكاء الاصطناعي على الأطفال

مع التطور السريع الذي يشهده العالم في الآونة الأخيرة، انتشر مفهوم الذكاء الاصطناعي؛ والمقص...

حوادث المرحلة المتوسطة بين الماضى والحاضر. وجهة نظر معلم

دعونا نتخيل طالبًا في الصف السابع؛ إنه طفل هادئ، مهذب، لديه بعض الأصدقاء... مجرد طفل عادي ...